على مشارف جبال بوهيميا في جمهورية التشيك، تستقر "مارينباد" Marienbad المعروفة محلياً بإسم "ماريانسكي لازني" Mariánské Lázně كجوهرة متلألئة وسط طبيعة ساحرة تتناغم فيها الينابيع المعدنية مع أجواء رومانسية لتعيد إحياء أروع قصص الحب في التاريخ. هنا، حيث الهواء العليل يحمل أصداء الحكايات القديمة، يستعيد الزائر إحساسه بالحياة وكأن الزمان يتوقف ليستمتع بكل لحظة في حضن هذا الجمال الأخاذ. لا يمكن الحديث عن "مارينباد" دون العودة إلى واحدة من أجمل قصص الحب التي عرفها العالم. في عام 1821، وقف الزمن احتراماً للقاء استثنائي جمع الأديب الألماني العظيم "يوهان فولفغانغ فون غوته" بالبارونة الشابة "أولريكا فون ليفيتزوف". هو، شاعر الحكمة في الثانية والسبعين من عمره، وهي، زهرة الحياة في السابعة عشرة، كان لقاؤهما كإشراقة شمس تُشعل نبض القلوب. غرق "غوته" في بحر عيني "أولريكا"، ووجد نفسه عاشقاً، رغم فارق العمر الذي لم يعبأ به قلبه. لكن القدر لم يشأ لهذا الحب أن يتوج بالزواج، فكان الرفض مرارة تذوقها الأديب، ليكتب بعدها قصيدته الخالدة "مرثية مارينباد"، شاهداً على حبه الذي أذابه لكنه لم يكسره.
وجهة العظماء!
إذا إستفسرتم من سكان "مارينباد" عن أبرز الشخصيات التي زارتها، ستسمعون قائمة طويلة من الأسماء اللامعة التي وجدت في هذه الجنة الخضراء ملاذاً آمناً ومنتجعاً فاخراً لعطلاتهم، من بينها الملك البريطاني إدوارد السابع إبن الملكة فكتوريا الذي كان له موعد دائم مع "مارينباد" خلال فصل الصيف. وكم تباهى بميزات هذه البلدة خلال معرض حديثة عنها إذ قال: "لقد زرت الهند، وسيريلانكا، وجميع بلدات ينابيع المياه المعدنية في أوروبا. ولكن لا شيء يوازي جمال طبيعة "مارينباد" الساحرة". وتحولت البلدة خلال زيارات الملك البريطاني اليها بين عامي 1897 – 1909 إلى نقطة جذب لعظماء أوروبا الذي كان يلتقي بهم فيها، منهم الإمبراطور النمساوي فرانتس جوزيف الأول، ورئيس الوزراء الفرنسي كليمونصو. ويُعرف أن الملك البريطاني كان يكن ل"مارينباد" مكانة خاصة في قلبه، فهي بلدة صغيرة شعبها كريم ومضياف، أجوائها مميزة، مأكولاتها شهية، مياهها معدنية تداوي العديد من المشاكل الصحية. وبعيداً عن عالم السياسية سنعبر إلى عالم الموسيقى حيث سنستحضر مؤلف الموسيقى البولندي العالمي "شوبان" الذي قصد البلدة عام 1836 وهو بعمر الخامسة والعشرين وأمضى فيها شهراً كاملاً عله يحظى بقبول طلبه للزواج من الرسامة وعازفة البيانو البولندية "ماريا فودزينسكا" التي كانت بعمر السادسة عشرة. وبالرغم من معارضة والد ماريا الزواج منه بسبب تدهور وضعه الصحي، فإن "مارينباد" فتحت له قلبها وكرمت ذكراه بتأسيس متحف يحمل إسمه، فضلاً إلى مهرجان "شوبان" للموسيقى الذي يقام في شهر آب (أغسطس) من كل عام، إلى جانب إطلاق إسمه على أحد الشوارع وعلى مدرسة للموسيقى.
إسترجاع الصحة والعافية!
عند ذكر أهم فنادق "مارينباد" وأكثرها جمالاً من الناحية الهندسية، يطيب الحديث عن فندق "نوفيه لازنيه" Hotel Nové Lázně المشيد عام 1896 والمتوج بالأبراج والعظمة. إنه مكان الإقامة المفضل لدى الملك البريطاني إدوارد السابع نظراً لخدماته المترفة، ولموقعه المترامي وسط طبيعة غناء بجوار أهم معالم البلدة السياحية. يقصد منتجع الفندق الصحي أعداد كبيرة من المرضى الذين يعانون من ألم المفاصل، أو من الروماتيزم وهشاشة العظام، فالعلاجات متوفرة في هذا المكان من خلال التمارين الرياضية، أو بإستخدام المياه الحرارية أو الطين لتسكين الألم وزيادة الحركة. كذلك يتردد إليه أصحاب ألامراض الجلدية كالأكزيما، والصدفية، وحب الشباب، فالعلاجات بمغاطس الطين التي تحتوي على مياه مالحة، مع مراهم وعلاجات بالضوء، تخفف الأمراض الجلدية وتأتيكم بنتائج جيدة. إلى جانب ذلك يقدم منتجع الفندق الصحي العلاجات لمن لديهم مشاكل في جهاز المناعة، والجهاز العصبي، وفي التنفس، والإضطرابات الهضمية، والمسالك البولية، والأمراض النسائية، والأورام السرطانية. ويعمل الفريق المتابع لمرضى السرطان على توفير أجواء ملائمة لمدهم بالنقاء الجسدي والفكري، الذي بدوره يعزز جهاز المناعة ويساعد على التعافي السريع من المرض. ولتضفوا على إقامتكم في الفندق المزيد من الرفاهية، لا تنسوا إستخدام الحمامات الرومانية القديمة التي تتمادى إلى جانب حجرة تحمل إسم الملك البريطاني إدوارد السابع، وأخرى بإسم الإمبراطور النمساوي فرانتس جوزيف الأول. فكلاهما كانا يقصدان الفندق للنقاهة ولشرب الماء العذب من الينبوع الذي يتدفق في داخله. من ربوع فندق "سنترالنيه لازنيه" Centrální Lázně Hotel لمع نجم "مارينباد" كبلدة لينابيع المياه المعدنية. فهذا الفندق هو الأقدم في البلدة، لأنه مشيد في موقع أول مكان للإستحمام الذي يعود إلى عام 1812. يشتهر الفندق بأنه مصدر نبع "ماريا" ولذلك يضم جناحاً جديداً أطلق عليه إسم "ماريا سبا" ومنه تنبعث غازات ثاني أكسيد الكربون المعروفة بـ"غازات ماريا" التي يتم ضخها بواسطة أنبوب لإحدى الغرف المخصصة للعلاجات الصحية، كتلك التي تعنى بتحسين الدورة الدموية، وتساهم في تنشيط الكلى، كما لها الفضل في محاربة الإلتهابات وتخفيف الألم. وسلسلة أماكن الأقامة الفخمة تكاد لا تنتهي هنا، منها فندق "هفيزدا هيلث سبا" Hvězda Health Spa Hotel الذي يحمل بصمات الماضي بهندسته التي ترقى إلى عام 1905. ويعرف أن الأديب الألماني الشهير "غوته" إلتقى صديقته "أولريكا" في هذا المكان الذي كان يتردد عليه أيضاً الملك البريطاني إدوارد السابع. في مسبح "هفيزدا" المعروف بأنه أكبر مسابح "مارينباد" ستنعمون بأوقات لا تنسى. كما سيطيب تذوق الأطباق التشيكية والعالمية في مطعمه الذي يحمل إسم "فرانتس جوزيف وسيسي". وبذلك تبدو البلدة وفية لمن مروا على أرضها من شخصيات تاريخية، فكرمتهم بإطلاق أسمائهم على ساحاتها، وطرقاتها، ومنتجعاتها السياحية، وحتى على مطاعمها المحلية. لا تبعد فنادق البلدة كثيراً عن بعضها البعض، فوسط روعة الطبيعة وجمالها الأخاذ سيطالعكم فندق "باسيفيك هيلث سبا" Pacifik Health Spa Hotel الذي يحظى منتجعه الصحي بشهرة واسعة لتقديمه علاجات لإعادة التأهيل بعد العمليات الجراحية، كما يقدم علاجات فعالة ضد أمراض العضلات وهشاشة العظام بإستخدام المياه المعدنية من الينابيع المحلية كمورد علاجي طبيعي ممزوج بالخبرة الطبية الطويلة الأمد. إذا كنتم من محبي الفنادق الحديثة فننصحكم بالإقامة في فندق "باتيرفلاي" Butterfly وهو المكان المفضل للعائلات والفئة الشابة. ستخولكم الإقامة فيه من الدخول الى منتجع "باتيرفلاي" الذي يغذيه نبع "فرديناند" للمياه المعدنية الغنية بالكبريت والتي لها منافع طبية عديدة.
تعرفوا على "مارينباد"!
في وسط البلدة وعلى مقربة من "النافورة الغناء" التي تتراقص على إيقاع خرير الماء المتصاعد، يقف شامخاً تمثال برونزي للكاهن "كاريل كاسبار رايتنبرغر" الذي عاش بين عامي 1779- 1860، نقشت باللاتينية على قاعدته المصنّعة من الرخام السويدي الأحمر العبارة التالية: "هذا هو الرجل الذي اكتشف المنافع العلاجية للمياه المعدنية وشجع على الاستفادة منها. ولذلك يستحق أن يمنح لقب مؤسس البلدة". وبالواقع، فتلك المياه هي مصدر ثروة "مارينباد" وهي التي منحتها شهرتها العالمية. وتختزن أرضها عشرات الينابيع للمياه المعدنية، كينبوع "كروس سبرينغ" Cross Spring الذي سيؤثر ناظريكم بهندسته التي تشمل على 72 عاموداً من الطراز الأيوني. وتتميز مياهه بمقدرتها الفعالة في زيادة مرونة الأوعية الدموية. بجواره تتفجر مياه نبع "كارولينا" Karolina Spring المظلل بقبة بهية الشكل تحرسها ثمانية أعمدة كورنثية الطراز، وهو شهير بمياهه المعدنية الغازية التي تحتوي على الماغنيسيوم. أما نبع "رودولف" Rudolph Spring فلمياهه المقدرة على معالجة أمراض المسالك البولية. ومن المعروف أن لكل نبع في "مارينباد" خصائصه الفريدة لمعالجة حالات مرضية معينة أو بعض المشاكل الصحية. ومن الأفضل الاستفسار من قبل الطبيب أو الأخصائي عن فوائد كل منهم والجرعات اللازمة قبل الغوص في تجربة التداوي بماء الينابيع. عام 2021 أدرجت منظمة الأونيسكو "مارينباد" على قائمة التراث العالمي، وبالتحديد على لائحة مدن المنتجعات الصحية الأوروبية الكبرى التي تضم 11 مدينة موزعة في 7 بلدان أوروبية. وتجسد هذه المواقع مجتمعة شكلاً هاماً من أشكال تبادل القيم الإنسانية والتطورات التي طرأت على مجالات الطب والعلوم والتداوي بالإستحمام بالمياه المعدنية. قبل مغادرة البلدة أحببت الوقوف أمام عظمة المبنى المعروف ب"كولونيد"Colonnade . إنه صورة واضحة عن الهندسة الباروكية التي سادت في أوروبا بين أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن الثامن عشر. يفيض المبنى بأدق التفاصيل الهندسية، فزين سقفه بالرسومات وتوزعت القناطر المزخرفة بحرفة عالية على طوله، حيث سينتابكم الشعور وأنتم تتجولون فيه وكأنكم تمرون في بهو قصر كبير. وتلك المباني هي حاجة ضرورية في أكثرية مدن الينابيع الأوروبية، لأنها تشيد على مقربة من الينابيع لإضفاء مسحة جمالية تجمع بين روعة الطبيعة وعظمة البناء والهندسة.
سجلوا في مفكرتكم!
- تقع "مارينباد" في غرب جمهورية التشيك، على بعد 170 كيلومتراً من العاصمة براغ. ولذلك تستغرق الرحلة إليها بالسيارة حولي ساعتين ونصف.
- تأسست في القرن التاسع عشر وتزخر بالعمارة الكلاسيكية الجديدة والطراز الباروكي، مما يضيف إلىها لمسة من السحر والجمال.
- تضم أكثر من 40 ينبوعاً معدنياً غنياً بالعناصر المفيدة، تستخدم لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات الصحية.
- العملة الرسمية في جمهورية التشيك هي الكرونة التشيكية. ويساوي كل دولار أميركي حوالي 24 كرونة تشيكية.
- التشيكية هي لغة البلاد الرسمية، ويتكلم الإنكليزية جميع العاملين في قطاع السياحة والخدمات.
- عادة ما يكون الطقس بارد جداً خلال كانون الأول (ديسمير)، فتتساقط الثلوج في جميع أنجاء البلاد، مما يضفي جواً شتوياً ساحراً خاصة في المدن والمنتجعات السياحية مثل "مارينباد".
- تقدم فنادق "إنسانا" المنتشرة في أرجاء البلدة مجموعة من العلاجات بالموارد الطبيعية. بإمكانكم الحصول على المزيد من المعلومات عن الفنادق والعلاجات المتوفرة من خلال الموقع التالي: https://ensanahotels.com/en/destinations/czech-republic/marianske-lazne