بينما تحاول الرياض خفض العجز الكبير بين إنتاج الغذاء المحلي والواردات، يُعتبر الحلّ تخفيف قواعد الملكية المتشددة في المملكة المقيّدة للمستثمرين.
بقلم كيفين باكستر، بالتعاقد مع مجلة ميد الاقتصادية
بما أن المملكة العربية السعودية تعد أكبر دولة في الخليج العربي، فإنها تواجه تحديات كبيرة في توفير الغذاء لعدد السكان البالغ 27 مليون نسمة موزعة على ما يقرب من 2 مليون كيلومتر مربع.
وتقول "ألبين كابيتال" التي تتخذ من الإمارات مقراً لها في تقريرها أن المملكة استهلكت ما يقارب 28 مليون طن من الغذاء في 2011 وقد تمّ استيراد نسبة 80% من كمية هذا الغذاء. وتتوقع أن استهلاك المملكة من الغذاء سيزيد بمعدل 4,2% في الفترة ما بين 2011 و2015. وتُقدّر تكلفة واردات الغذاء بـ10 مليارات دولار في العام الواحد.
ويلقي هذا العجز بين الإنتاج المحلي والواردات الضوء على التحدي الكبير الذي تواجهه المملكة فيما يتعلق بتأمين الموارد الغذائية على المدى البعيد.
وقد أدركت الرياض هذا الموضوع ووضعت عدداً من الخطط في الداخل والخارج على حدٍ سواء تهدف إلى تقليل احتمالات نقص الغذاء في المستقبل.
صعوبة التضاريس في المملكة العربية السعودية
على المستوى المحلي، تواجه المملكة مشكلتين في إنتاج الغذاء...ألا وهما التضاريس الوعرة والمناخ القاسي. وبالرغم من كونها الدولة الـ13 على مستوى العالم في المساحة، إلا أن نسبة ضئيلة من أراضي المملكة، ما يعادل 1.7% من مساحتها، هي التي تصلح لإنتاج المحاصيل.
وقد اضطرت الرياض للبحث في الخارج عن الأراضي الصالحة للزراعة لإنتاج المحاصيل الغذائية. وحتى الآن، وقّعت المملكة عدة صفقات بمليارات الدولارات مع دول مثل السودان ومصر وباكستان باقتطاع أراضٍ تصلح لإنتاج محاصيل للاستهلاك المحلي.
وإضافة إلى تحدي الغذاء، يُعد نقص المنشآت الخاصة بتصنيع الغذاء حالياً في المملكة مشكلة أخرى. ويقول محبوب مرشد، عضو مجلس الإدارة المنتدب في ألبين كابيتال، إن المستثمرين الأجانب المحتملين يتخوفون من دخول المملكة نتيجة المستويات العالية من البيروقراطية والقوانين المتشددة المنظمة للملكية.
ويضيف قائلاً: "ففي المملكة، تخضع ملكية الغالبية العظمى من المصانع إلى شركات محلية أو مشروعات مشتركة بين المستثمرين المحليين وشركات متعددة الجنسيات مثل كرافت فودز الأمريكية. ويُعتبر عدد الأجانب الذين يحصلون على ملكية عمليات في المملكة قليل جدًا بالمقارنة مع الدول المجاورة مثل دولة الإمارات".
ويقول مرشد إن عدد منشآت تصنيع الغذاء في الإمارات يُقدر بـ160 إلى 170 مصنعاً. وفي حين أن هناك نقص في البيانات الخاصة بالسعودية في هذا الصدد، إلا أن مرشد يُقدّر أن عدد منشآت تصنيع الغذاء في المملكة أقلّ من ذلك.
وتكمن المشكلة في تقليص فرص الأجانب في تأسيس وتشغيل منشآت يملكونها بنسبة 100%. وقد أدركت الهيئة العامة للاستثمار السعودية أنها تحتاج إلى الترويج لفكرة الاستثمار في المملكة لجذب المستثمرين الأجانب.
ومع ذلك، لا توفر العديد من المدن الاقتصادية التي تخطط الهيئة لتطويرها نفس حرية التجارة التي تمنحها المناطق الحرة في دول الخليج المجاورة.
وبالرغم من ذلك، يدلّ وجود الشركات متعددة الجنسيات والشركات المحلية الكبرى العاملة في المملكة على أهمية السوق السعودية إقليمياً. ويحرص العديد من اللاعبين الرئيسيين في الأسواق على التوسع في المملكة.
وفي مايو، فتحت كرافت فودز امتداداً لمصنع نابيسكو العربية في الدمام. وقد جاء هذا التوسع في المصنع، الذي يُدار بنسبة 75 إلى %25 كمشروع مشترك بين كرافت ومجموعة العليان السعودية، استجابة إلى الطلب الكبير على منتجات الشركة في المملكة ومنطقة الخليج على حد سواء. ويُعدّ المصنع قادراً الآن على إنتاج 20000 طن في العام من بسكويت أوريو الذي تمتلك كرافت علامته التجارية، بالإضافة إلى منتجات أخرى مثل ريتز كراكرز.
توفير فرص عمل للسعوديين
يضمّ مصنع نابيسكو 170 موظفاً ويحتلّ السعوديون منهم نسبة 30%. إن زيادة الإنتاج الغذائي ليست فقط قادرة على ضمان الأمن الغذائي، بل هي أيضاً قادرة على توفير الآلاف من فرص العمل في الدولة.
ويقول جون مارك ديلبون، رئيس قسم المنتجات الاستهلاكية في مجموعة العليان: "مقارنة بقطاعات الأعمال الأخرى، في الواقع، يعتمد إنتاج الغذاء بشكل كبير على الأيدي العاملة.
ويبدو ذلك واضحاً في عملنا ونتمنى أن يجذب ذلك العديد من السعوديين للالتحاق بالعمل في مجال تصنيع الغذاء".
تعد مجموعة العليان أيضاً من أكبر المساهمين في عمليات شركة كوكاكولا الأمريكية في المملكة وتقوم بإنتاج المشروبات الغازية الخاصة بالعلامة التجارية في مصنع في الرياض. وتضم شركة كوكاكولا للتعبئة في المملكة 1400 موظف وتصل حصتها في السوق المحلية لصناعة المشروبات الغازية نسبة 30%.
وعلاوة على ذلك، تعمل المملكة على زيادة الإنتاج المحلي من اللحوم من خلال زيادة عدد مصانع معالجة اللحوم العاملة في الدولة. ووفقاً لدراسة نشرتها كلية علوم الأغذية والزراعة في جامعة الملك سعود في الرياض، عهد 27 مصنعاً إلى تحويل أكثر من 63000 طن من اللحوم المستوردة في الغالب إلى منتجات استهلاكية.
وتقوم العديد من الاقتصاديات والدول النامية بتصدير لحوم للملكة. على سبيل المثال، صدّرت البرازيل 550000 طن من الدجاج إلى المملكة في2010، أي ما يوازي 90% من الواردات المحلية.
مساندة المزارعين
بالرغم من أن المزارعين يحصلون على قروض بدون فوائد تُقدر بـ25% من تكلفة تصنيع المعدات منذ السبعينيات، إلا أن تربية الدواجن في المملكة مازالت تكافح من أجل البقاء على مدار السنين. وفي خطوة لتحفيز النمو في هذا القطاع، قامت الحكومة بزيادة الدعم للمزارعين في 2004.
أما الآن، تحصل مزارع الدواجن المتوفرة في المملكة على المزيد من المساندة لإنشاء مستودعات باردة وشراء شاحنات مُبردة ومعدات زراعية. وتقدم الرياض دعمًا يتراوح بين 42 إلى 67 دولار على كل طن من أغذية الحيوانات المستوردة.
وتعدّ هذه التدابير بداية لإنشاء وحدات إنتاج غذائي، فضلاً عن الحوافز التي تمنحها المملكة للمصنعين الذين يستخدمون اللحوم المعالجة محلياً. ويعلّق مرشد في هذا الصدد قائلاً: "وهذه طريقة من الطرق التي تتبعها الرياض في جذب الاستثمار الأجنبي في قطاعات تصنيع وتجهيز الأغذية".
"وإذا كانت نسبة 30% من اللحوم المحلية يُعتمد عليها كمصدر أساسي في مشروعك، يمكنك الآن تملكه بنسبة 100%". وفضلاً عن إنتاج اللحوم، تتيح المياه في المملكة فرصاً كبيرة لصيد الأسماك وتصنيعها.
وقد حمل صندوق التنمية الزراعية في السعودية على عاتقه مهمة دعم عمليات صيد وتصنيع الأسماك ولاسيما على امتداد ساحل البحر الأحمر. كما أن هذا الصندوق يوفر قروضاً لشراء المعدات اللازمة في هذا الصدد.
ويتم تجهيز نسبة 40% من المأكولات البحرية المستهلكة في المملكة سنوياً، والتي تقدر بـ81000 محلياً ويتم استيراد النسبة المتبقية من الخارج.
ومع ذلك، ليس لدى المملكة بنية أساسية لمعالجة الأسماك؛ لذا يباع معظم مخزون الأسماك في الأسواق.
معالجة الأسماك
تُعدّ معالجة الأسماك التي تعتمد عليها مدينة جيزان الاقتصادية باستثمارات تُقدّر بنحو 27 مليارات دولار، أحد أهم القطاعات في محافظة جيزان الواقعة جنوب غرب المملكة. وتفتقر تلك المنطقة إلى المرافق اللازمة لإضافة قيمة لعمليات صيد الأسماك. ومن المخطط أيضاً إقامة مرافق معالجة زراعية وطاحونة دقيق.
ومع تنمية قطاع الأغذية في السعودية، تأمل المملكة أن يشهد العقد القادم زيادة في الاستثمار الذي سيشجع تحقيق الأمن الغذائي وخلق فرص عمل جديدة.
ومع ذلك، يظلّ العديد من المستثمرين متخوفين من بعض القضايا مثل القيود المفروضة على الملكية الأجنبية والدعم والاستثناءات من لوائح السعودة.
وفي هذا الصدد يقول مرشد: "يتمتع عملاؤنا بشبكات توزيع كبيرة عبر المملكة، كلهم يتخوفون من إقامة استثمارات طويلة الأمد في المملكة. ونراهم حالياً يفضلون الهند أو الإمارات، وأعتقد أن هذه الحالة ستظل قائمة إلى أن يروا تحرر هذه القواعد".