رحلت البارونة مارغريت تاتشر اليوم عن عمر ناهز 87 عاماً، ليذكرها التاريخ بلقب "المرأة الحديدية " وأول قائد سياسي بريطاني يفوز بالانتخابات الوطنية لثلاث مراحل على التوالي، كما أنها أول امرأة بريطانية تتسلم منصب رئاسة الحكومة في المملكة المتحدة وتبرع في قيادة بلادها على مدى 21 عاماً. صدر بيان عن القصر الملكي اليوم جاء فيه أن الملكة حزينة جدا لوفاة البارونة مارغريت تاتشر، كما وصفها ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الحالي بأنها زعيمة عظيمة فقدتها بريطانيا.
من هي مارغريت تاتشر؟
ولدت تاتشر في مدينة "غراندام" شرق بريطانيا في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1925 من والد كان يعمل تاجرا للمواد الغذائية ومن أم تعمل في خياطة الملابس وترعرعت في عائلة متواضعة ومتدينة ومحبة للعمل.
لقبت تاتشر" بالمرأة الحديدية" بسبب السياسة الاقتصادية "العنيفة" التي اتبعتها في تسيير شؤون بريطانيا، عندما كانت رئيسة للوزراء من 1979 حتى1990.
باشرت تاتشر دراساتها الجامعية في 1943 حين التحقت بمعهد الكيمياء بجامعة أكسفورد ببريطانيا قبل أن تغير مسارها الدراسي وتلتحق بمعهد الحقوق لتعمل بعد ذلك كمحامية. في سنة 1951 تزوجت من "دينيس تاتشر " ضابط المدفعية السابق ومدير عدد من شركات البترول ، وأنجبت تؤامان هما مارك وكارول.
تاتشر هي المرأة الوحيدة ببريطانيا التي ترأست حزب المحافظين من 1975 إلى 1990، كما هي أيضا المرأة الوحيدة التي قلدت منصب رئيسة الحكومة في بريطانيا.
عرفت مارغريت تاتشر بجرأتها السياسية وبسياستها الاقتصادية الليبرالية. فبعد وصولها إلى الحكم في 1979، نفذت سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، أقل ما يقال عنها أنها كانت جريئة ولم تكن مقبولة كلها من قبل الرأي العام البريطاني، خاصة من نقابات العمال.
فقامت مثلا بخصخصة كبرى الشركات البريطانية، مثل تلك العاملة في مجال الفحم وقلصت من العلاوات الاجتماعية التي كانت تتقاضاها العائلات، خاصة الفقيرة والمتوسطة، فيما سمحت للأغنياء وأرباب العمل بالاستثمار بسهولة وعلى خلفية القوانين المالية والاقتصادية الجديدة التي قامت بتمريرها في البرلمان والداعمة للنظام الليبرالي.
قادت تاتشر في 1984 و1985 حربا بلا هوادة ضد النقابات البريطانية التي نظمت مظاهرات شعبية للتنديد بسياسته الليبرالية، لكن رغم التعبئة الكبيرة إلا أن تاتشر انتصرت في مواجهتها مع العمال وذلك بفضل الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها حكومتها لإنهاء الإضراب.
وفي هذا الشأن كانت تاتشر دائما تقول إنه من غير المعقول أن يمنع أحد البريطانيين الذي يريد ممارسة أولى حقوقه السياسية والاقتصادية وهو العمل من هذا الحق.
في 1982، بينما كان الاقتصاد البريطاني يمر بمشاكل صعبة، قررت تاتشر الدخول في حرب طويلة ومكلفة ضد الأرجنتين من اجل استرجاع جزر الملاوين التي استولت عليها بيونس آيرس. وبعد جهد حربي كبير، ربحت تاتشر الحرب، ما رفع رصيدها السياسي لدى النواب المحافظين وغالبية البريطانيين، و أدى إلى إعادة انتخابها للمرة الثانية رئيسة للحكومة البريطانية في 1983.
واستمرت خلال عهدتها الثانية بتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية مهمة، فقامت مثلا بخصخصة عدة شركات وطنية كبرى ومعروفة على المستوى العالمي مثل اتصالات بريطانيا" وشركة " رولس رويس" لصناعة السيارات الفخمة والخطوط الجوية
وفي عام 1990 قدمت "المرأة الحديدية" استقالتها لقناعتها بعدم قدرتها على كسب انتخابات زعامة المحافظين، وتم انتخاب جون ميجر خلفًا لها. إلا أن تاتشر لم تغب عن الساحة السياسية فظلت حاضرة بمجلس العموم حتى سنة 1992، وفي العام نفسه منحت لقب البارونة وأصبحت عضواً بمجلس اللوردات.
وفي عام 2008 كشفت كيرل تاتشر أن والدتها "المرأة الحديدية" عانت من مرض عقلي وأن علاماته ظهرت لأول مرة أثناء مأدبة غداء في عام 2000،عندما بدت ذاكرتها مشوشة بشأن الصراعات التي جرت في كل من البوسنة والهرسك وجزر الفوكلاند. و أن الأطباء قد نصحوا السيدة تاتشر بالامتناع عن إلقاء خطابات أمام الجمهور لأسباب صحية منذ ذلك الحين.