توفي مساء اليوم عن الفنان اللبناني الكبير، وديع الصّافي، عن عمرٍ يناهز الثانية والتسعين عامًا، وذلك في مستشفي بالفيو في المنصورية – شمال بيروت بعد معاناته مع المرض. هو متأهّل منذ عام 1952 من ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، وله منها دنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
من هو وديع الصافي؟
ولد وديع فرنسيس (الإسم الفني وديع الصّافي) في 24 يوليو 1921 في قرية نيحا في الشوف، وهو الإبن الثاني في ترتيب العائلة المكوّنة من ثماني أولاد كان، فعاش طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان، علمًا أن والده كان عنصرًا في قوى الأمن اللبناني برتبة رقيب.
في عام 1930، نزحت عائلته إلى بيروت ودخل وديع الصافي مدرسة دير المخلص الكاثوليكيّة، وبعدها بثلاث سنوات إضطر للتوقّف عن الدراسة، لأن جو الموسيقى هو الذي كان يطغى على حياته من جهة، ولكي يساعد والده من جهة أخرى في إعالة العائلة.
إنطلاقته الفنيّة
كانت انطلاقته الفنية سنة 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناء وعزفًا، من بين أربعين متباريًا، في مباراة للإذاعة اللبنانية، وبدأت مسيرته الفنية بشق طريق للأغنية اللبنانية، التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبل الصافي، ولعب الشاعر أسعد السبعلي دورًا مهمًّا في تبلّور الأغنية الصافيّة. فكانت البداية مع "طل الصباح وتكتك العصفور" سنة 1940.
أول لقاء له مع محمد عبد الوهاب كان سنة 1944 حين سافر إلى مصر، وسنة 1947 سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل حيث أمضى 3 سنوات في الخارج، وبعد عودته من البرازيل، أطلق أغنية "عاللّوما"، فذاع صيته بسبب هذه الأغنية التي صارت تردَّد على كل شفة ولسان، وأصبحت بمثابة التحية التي يلقيها اللبنانيون على بعضهم بعضًا. وكان أول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة وباللهجة اللبنانية بعدما طعّمها بموال "عتابا" الذي أظهر قدراته الفنية.
في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين من أجل نهضة للأغنية اللبنانية انطلاقًا من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي، وفيلمون وهبي، والأخوين رحباني وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وغيرهم.
الإنتشار عالمياً
مع بداية الحرب اللبنانية، غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا، ليستقرّ سنة 1978 في باريس. وكان سفره اعتراضًا على الحرب الدائرة في لبنان، مدافعًا بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة. فكان تجدّد إيمان المغتربين بوطنهم لبنان من خلال صوت الصافي وأغانيه الحاملة لبنان وطبيعته وهمومه. منذ الثمانينات، بدأ الصافي بتأليف الألحان الروحية، نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعًا منه بأن كلّ اعمال الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته باللّه.
سنة 1990، خضع لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمرّ بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء. يحمل الصافي ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، الاّ أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن ما أعزّ من الولد إلا البلد.
فن عريق
غنّى للعديد من الشعراء، خصوصًا أسعد السبعلي ومارون كرم، وللكثير من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، زكي ناصيف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، رياض البندك. ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه لأنّه كان الأدرى بصوته، ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، حتّى أصبح مدرسة يُحتذى بها.
يُعتبر الكبير وديع الصّافي من عمالقة الطرب في لبنان والعالم العربي، وكان له الدور الرائد في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني في نشر الأغنية اللبنانيّة، حتّى أصبح مدرسة في الغناء والتلحين في العالم العربي، ورمزًا من رموز لبنان الذي لطالما تغنّى به في أغانيه وأعماله.