صار أغلب الإيرانيين مدمنين على الأخبار نتيجة احتمال فرض عقوبات أشد قسوة على بلادهم أو نتيجة توقع مهاجمتها عسكرياً بسبب برنامجها النووي، لكن أكثر الإيرانيين منشغلون الآن بالارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الغذائية.
يقول محافظ البنك المركزي، محمود بهماني، إن نسبة التضخم وصلت إلى 19.1%. لكن الاقتصاديين وأصحاب المتاجر والمستهلكين يقولون إن ارتفاع الأسعار تجاوز كثيراً كل ما تقوله الحكومة في الأشهر الأخيرة.
ويقول الاقتصادي حسين راغفار: "إن معدل التضخم السنوي لسلة ثابتة من السلع يتجاوز 50% في واقع الأمر" ويقول أصحاب المتاجر إن أسعار الحليب ارتفعت 30% منذ شهر حزيران الماضي، أما أسعار الأجبان فازدادت بنسبة 40%، وكانت الزيادة 50% في أسعار البيض".
لقد كان التضخم السنوي الذي يتجاوز 10% حقيقة دائمة في إيران منذ عشرات السنين. لكن الجديد في الأمر هو تراجع الدعم الحكومي للطاقة وعدد من السلع الأساسية الأخرى، وذلك من خلال برنامج إصلاح اقتصادي بدأ في كانون الأول 2011 وأدى إلى زيادة دراماتيكية في تكاليف المعيشة، لكن الحكومة وفرت من خلاله ما يقدر بنحو 100 مليون دولار.
وقد أبدى صندوق النقد الدولي إعجابه تلك الخطوة "الطموحة"، إلا أن كثيراً من المراقبين يحذرون من أنه يمكن أن يثير قلاقل اجتماعية كبيرة، ولعل هذا القلق يكتسب حجماً مهماً بالنسبة لحكومة أحمدي نجاد التي تواجه استياءً محلياً وضغوطاً خارجية في الوقت عينه.
ومن أجل مواجهة هذه المخاطر والتعويض عن زيادة الأسعار المتوقعة، صوت البرلمان على مشروع يرمي إلى تقديم مساعدات مالية صغيرة إلى الأشخاص الأكثر احتياجاً. لكن الحكومة تجاوزت ما حدده هذا المشروع فضاعفت المبلغ الذي أقره البرلمان ودفعت لجميع المواطنين تقريباً، بمن فيهم الأطفال، ما يعادل 42.3 دولاراً أمريكياً.
ورغم اعتراضات الاقتصاديين والبرلمانيين وخوفهم من أن يؤدي هذا إلى مزيد من التضخم وعجز الموازنة (يقدر عجز الموازنة بما يتراوح بين 3% و9% من الناتج الإجمالي)، فإن الحكومة تواصل تقديم هذه المعونة الشهرية.
لكن هذا لم يمنع زيادة الاستياء والقلق الشعبيين من التنامي لأن قيمة المعونة تتآكل باستمرار تحت وطأة التضخم الشديد، وتقول إحدى ربات المنازل إن مبلغ 50 ألف تومان (47 دولار) كان كافياً لشراء طعام يكفي مدة ثلاثة أيام، لكنه لم يعد كذلك منذ عدة أشهر "إنه يكفي الآن ليوم واحد فقط. وهذه كارثة".
إن ارتفاع الأسعار مشكلة حقيقية بالنسبة للفقراء الذين سرعان ما سيقعون تحت وطأة عدم القدرة على تلبية المتطلبات الأساسية للحياة، وهذا ما ستكون له عواقب وخيمة على حكومة نجاد التي هي غارقة منذ الآن في صدام شديد مع البرلمان بسبب تنامي الفضائح المالية.
يقول راغفار: "إن التضخم يأكل الآن المدفوعات النقدية الشهرية الصغيرة المقدمة لأصحاب الدخل المنخفض في المدن. وسوف يمتد أثره سريعاً إلى الأسر ذات الدخل الأكبر".
ويقول منتقدو النظام الإيراني إن برنامج المساعدات المالية هذا لم يفعل إلا تأخير احتمال وقوع اضطرابات اجتماعية واسعة لبعض الوقت، ويقول مسؤول سابق: "عاجلاً أو آجلاً سوف نرى مظاهرات متفرقة من أجل أمور اقتصادية، لكن من غير تنظيم أو قيادة محددة واضحة. وهذا ما يمكن أن يصبح أكثر خطورة عندما تكون الحكومة واقعة تحت ضغوط خارجية كبيرة".